شبهة اختلاف أسماء بعض الشخصيات بين القرآن والكتاب المقدس

شبهة اختلاف أسماء بعض الشخصيات بين القرآن والكتاب المقدس | مرابط

الكاتب: محمد عمارة

1561 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الشبهة

يعطى القرآن أسماء لبعض الشخصيات التاريخية مخالفة لأسمائهم حسب الكتاب المقدس الذى سبق القرآن بعدة قرون؛ فمثلًا والد إبراهم عليه السلام كان اسمه Teral أو (تارح)، ومع ذلك يسميه القرآن (آزر). واسم الذى كان يوسف عليه السلام فى بيته كان Potiphar، أما الاسم المعطى له فى القرآن فهو (عزيز) [12: 30].

 

الجواب:

أولًا: لا يصح أن نجعل من (الكتاب المقدس) حجة على القرآن ومرجعية له.. لأن الثابت -حتى فى الدراسات التى قام بها كثير من علماء اليهود والنصارى- أن هذا الكتاب المقدس قد أعيدت كتابته، وأصابه التحريف.. كما أن ترجماته قد أدخلت عليه تغييرات وتصحيفات، وخاصة فى أسماء الأماكن والأشخاص..

ثانيًا: لأن القرآن قد تمتع بمستوى من الحفظ والتوثيق والتواتر فى النقل جعله الوحى الوحيد الصحيح على ظهر هذا الكوكب الذى نعيش عليه.. فهو الحاكم والمرجع لكل ما عداه من النصوص الدينية الأخرى..

وفى هذا الإطار.. ومن هذا المنطلق نناقش الشبهات التى يثيرها هذا السؤال.. فنقول:

 

اسم والد إبراهيم عليه السلام

بالنسبة لاسم والد الخليل إبراهيم - عليه السلام - لا تختلف معظم المصادر الإسلامية - سواء منها تفاسير القرآن، أو قصص الأنبياء - على أن (آزر) ليس اسم والد إبراهيم.. وعلى أن اسمه (تارح)..

ومن العلماء من يرى أن (آزر) اسم صنم، وأن الآية خطاب استنكارى لعبادة والد إبراهيم لهذا الصنم، تقدم المفعول فى هذا الخطاب.. والمعنى أتتخذ آزر إلهًا ومعبودًا؟ ومن العلماء من يرى أن (آزر) لقب أطلق على (تارح) بعد أن عمل فى حاشية الملك الذى كان حاكمًا فى ذلك التاريخ..

ونحن نقرأ - حول هذه القضية - فى تفسير القرطبى:

" قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر) تكلم العلماء فى هذا، فقال أبو بكر محمد بن محمد بن الحسن الجوينى الشافعى الأشعرى فى النكت من التفسير له: وليس بين الناس اختلاف فى أن اسم والد إبراهيم تارح. والذى فى القرآن يدل على أن اسمه آزر.. وقيل: آزر اسم صنم. كأنه قال: وإذ قال إبراهيم لأبيه أتتخذ آزر إلهًا، أتتخذ أصنامًا آلهة..

قلت - أى القرطبى -: ما ادعاه من الاتفاق ليس عليه وفاق. فقد قال محمد بن إسحاق والكلبى والضحاك: إن آزر أبو إبراهيم عليه السلام وهو تارح، مثل إسرائيل ويعقوب. قلت: فيكون له اسمان. وقال مقاتل: آزر لقب، وتارح اسم. وحكاه الثعلبى عن ابن إسحاق القشيرى. ويجوز أن يكون العكس.. وقال الجوهرى: آزر اسم أعجمى، وهو مشتق من آزر فلان فلانًا إذا عاونه، فهو مؤازر قومه على عبادة الأصنام.. وقال مجاهد ويمان: آزر اسم صنم، أى أتتخذ آزر إلهًا، أتتخذ أصنامًا.. وقال الثعلبى فى كتاب العرائس: إن اسم أبى إبراهيم الذى سماه به أبوه تارح، فلما صار مع النمروذ قيمًا على خزانة آلهته سماه آزر. وقال مجاهد: إن آزر ليس باسم أبيه، وإنما هو اسم صنم، وهو إبراهيم بن تارح بن ناخور بن ساروع بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام ". [القرطبى ج 7 ص 22، 23]

ونفس التفسيرات الموضحة لهذه الشبهة نجدها فى (قصص الأنبياء):

" قال السيد المرتضى الزبيدى، فى ص 12 ج 3 (تاج العروس): وروى عن مجاهد فى قوله تعلى: (آزر أتتخذ أصنامًا) قال: لم يكن بأبيه، ولكن اسم آزر اسم صنم، فموضعه نصب على إضمار الفعل والتلاوة كأنه قال: وإذ قال إبراهيم أتتخذ آزر إلهًا، أى أتتخذ أصنامًا آلهة.

وقال الصغانى: التقدير أتتخذ آزر إلهًا.

وقد نقل شيخ العروبة المرحوم أحمد زكى باشا عبارة (تاج العروس) السابقة فى أول كتابه (تكملة كتاب الأصنام لابن الكلبى).

وهذا القول الذى قاله مجاهد أولى الأقوال عندى بالقبول. وعلى ذلك يكون والد إبراهيم لم يذكر باسمه العَلَمى فى القرآن الكريم.

ومما يستأنس له - بأن (آزر) اسم إله - أننا نجد فى الآلهة القديمة عند المصريين الإله (أزوريس) ومعناه: الإله القوى المعين. وقد كانت الأمم السالفة يقلد بعضهم بعضًا فى أسماء الآلهة.. " [قصص الأنبياء ص 72]

فليست هناك مشكلة إذن حول هذا الموضوع..

 

اسم الذي اشترى وآوى يوسف عليه السلام

أما الشبهة الثانية فى هذا السؤال والخاصة باسم الذى اشترى وآوى يوسف عليه السلام فى بيته، والذى أطلق عليه القرآن الكريم اسم (عزيز) بينما سماه الكتاب المقدس Potiphar فإنها لا تمثل - هى الأخرى - مشكلة من المشكلات..

ذلك أن منصب هذا الذى آوى يوسف كان (رئاسة الشرطة) واسمه (فوطيفار).. ولقبه (العزيز).. فلا تناقض بين أسماء التعريف به هذه..

ولقد تناولت ذلك المصادر الإسلامية.. فى (قصص الأنبياء):

" وكان سيده رئيس شرطة المدينة، واسمه (فوطيفار)، ويعبر عن منصبه فى العبرية ب- (سرهاطباحيم)، أى رئيس الشرطة.. " [ص 122].

وفى تفسير القرطبى:

" قال الضحاك: هذا الذى اشتراه ملك مصر، ولقبه العزيز.. واسمه قطفير. وقال ابن إسحق: إطفير.. اشتراه لامرأته.. وقال ابن عباس: إنما اشتراه قطفير وزير ملك مصر.. وكان هذا العزيز الذى اشترى يوسف على خزائن الملك.... " [القرطبى ج 9 ص 158].

أما الخلافات والاختلافات الطفيفة فى نطق الاسم فهى واردة، بسبب النقل من لغة إلى لغة.. ومن لهجة إلى لهجة.. وبسبب النسخ للمخطوطات.. والتصحيف والتحريف.. فلا مشكلة إذن حول هذه الأسماء.

 


 

المصدر:

محمد عمارة، شبهات حول القرآن، ص7

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#شبهات-حول-القرآن
اقرأ أيضا
هكذا يفعلون بتاريخنا | مرابط
فكر

هكذا يفعلون بتاريخنا


أدرك أعداء الإسلام أن الجيل المسلم يحب أن يكون له جذور يعتز بها ويحن إلى أمجادها لذا لم يكتفوا بتشويه القدوات المعاصرة بل عادوا إلى التاريخ فتعاملوا معه ب: 1 الحرق 2 التجهيل 3 التشويه حرق المكتبات وتجهيل النشء بالماضي وتشويه ما يعرفونه عنه

بقلم: د إياد قنيبي
2258
ذكر الربا وآكله في السنة | مرابط
تفريغات

ذكر الربا وآكله في السنة


الربا من السبع الموبقات ودليل ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين والحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا السبع الموبقات قيل: وما هي يا رسول الله؟! قال: الشرك بالله والسحر

بقلم: سعيد بن مسفر
383
وما نرسل بالآيات إلا تخويفا | مرابط
مقالات

وما نرسل بالآيات إلا تخويفا


من أسوأ ما ابتلي به إنسان العصر الحديث تبلد حسه تجاه ما يحدث من ظواهر كونية: مثل الرياح العاصفة والأمطار الشديدة والكسوف والخسوف والزلازل وما أشبه ذلك حيث تحولت إلى أخبار معتادة تمر دون كثير اعتبار أو تفكر ولعل التنبؤ المسبق بها مع كثرة المشوشات وقلة النظر في السماوات والأرض والتأمل فيهما وقسوة القلوب بسبب التعرض المستمر للشهوات والشبهات وطبيعة الحياة المعاصرة اللاهثة كل ذلك أسهم في هذا التبلد!

بقلم: أحمد قوشتي
413
سلطة الغموض | مرابط
فكر مقالات

سلطة الغموض


هذا مقتطف من كتاب مآلات الخطاب المدني بعنوان: سلطة الغموض والكتاب من تأليف إبراهيم السكران ويتحدث عن أن كثيرا من الشباب المنبهر بأطروحات غلاة المدنية إذا دخلت معه في حوار حول أعماق قناعاته اكتشفت أنه مأخوذ بلغة الخطاب وغموضه المبهر أكثر من حقائقه وبرهنته وسلطة الغموض على شريحة من القراء هي في الحقيقة ظاهرة معرفية قديمة لا يمكن إنكارها

بقلم: إبراهيم السكران
994
دور محمد علي الجزء الثالث | مرابط
تاريخ مقالات

دور محمد علي الجزء الثالث


لقد لعب محمد علي دورا بارزا في إحكام السيطرة على الحالة الإسلامية في مصر وفي العالم الإسلامي بشكل عام عندما استطاعت فرنسا أن تحتويه وتوفر له كل الإمدادات اللازمة حتى يحقق أهدافها في بلادنا وكان على رأس هذه الأهداف الانفصال عن الدولة العثمانية والمساهمة في إضعافها بشتى الطرق والهدف الهام الثاني هو بداية التغريب وسحق الروح الإسلامية المتبقية وفي هذا المقال يقف بنا المؤلف على محاور هذا الموضوع كلها وما يتفرع عنها وما نتعلمه منها من دروس الهدف هنا أن ندرك ما حدث في بلادنا حتى نفهم كيف وصلنا إلى...

بقلم: محمد قطب
2103
حديث: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد.. | مرابط
أباطيل وشبهات المرأة

حديث: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد..


ومن أعظم أسباب فساد البيوت وارتفاع معدلات الطلاق هو تلك المفاهيم الفاسدة التي حشروها حشرا في رؤوس النساء كأن لا تحترم زوجها ولا تبالغ في إكرامه وتبجيله حتى لا يتمرد عليها وأن تعامله معاملة الند للند واحدة بواحدة وأحيانا من أول يوم لدخول الخاطب إلى البيت يبدأ الصراع الملحمي بين العريس وأهله والعروسة وأهلها والنصائح المفسدة من أصدقاء الطرفين وأقربائهما!

بقلم: كريم حلمي
433