قال الفِرَبْرِيُّ: سمعت محمد بن أبي حاتم ورّاق البخاري يقول: سمعت البخاري يقول: أُلهمت حفظ الحديث وأنا في الكتّاب. قلت: وكم أتى عليك إذ ذاك؟ قال: عشر سنين، أو أقلّ، ثم خرجت من الكتّاب، فجعلتُ أختلفُ إلى الداخليّ وغيره، فقال يومًا فيما كان يقرأ للناس: سُفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، فقلت: إن أبا الزبير لم يروِ عن إبراهيم؛ فانتهرني فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، فدخل فنظر فيه ثم رجع فقال: كيف هو يا غلام؟ فقلتُ: هو الزبير، وهو ابن عدي عن إبراهيم، فأخذ القلم وأصلح كتابه وقال لي: صدقت. فقال له إنسان: ابن كم حين رددت عليه؟ فقال: ابن إحدى عشرة سنة. قال البخاري: فلما طعنتُ في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء، يعني: أصحاب الرأي.
قال حاشد بن إسماعيل: كان البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام، فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام، فلمْناه بعد ستة عشر يومًا، فقال: قد أكثرتم عليّ فأعرضوا عليّ ما كتبتم، فأخرجناه فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلْنا نُحكِم كتبنا من حفظه.
المصدر:
ابن حجر العسقلاني، هدي الساري