الرد على بعض شبهات الصوفية

الرد على بعض شبهات الصوفية | مرابط

الكاتب: أبو إسحق الحويني

409 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

بعض المجلات التي هي على لسان حال بعض الطرق الصوفية كتب زعيم الطريقة الأولى مقالًا وافتتح به المجلة بعنوان (أيها القرنيون! هل فهمتم؟) والقرنيون نسبة إلى القرن، أي: أيها البهائم! أيها العجول! أيها الخرفان! هل فهمتم؟ ثم كتب عنوانًا أصغر منه يقول فيه -فض الله فاه-: سلوك سبيل الأدب راجح على امتثال أمر الله ثم قال: (إن العلماء المحققين يقولون: إن سلوك الأدب راجح على امتثال أمر الله، وحجتهم في ذلك هو فعل الصديق الأكبر رضي الله عنه لما كان يصلي بالمسلمين (فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصفق الصحابة؛ فنظر أبو بكر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم فرجع، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن اثبت فرجع؛ فصلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: يا أبا بكر ! ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ قال: ما كان لـابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) فهذا أبو بكر سلك سبيل الأدب وخالف الأمر.

هذه المقالة التي نتجوز في تسميتها شبهة؛ لأنها أضعف من ذلك، لكن هذه كفيلة بنقل جماهير كبيرة من العوام؛ لأن ظاهرها يدل على ما قال هذا المخذول، كأن الرجل عندما كتب ما علم أن في الزوايا خبايا، وأن في الناس بقايا، والله الذي لا إله غيره ما وقف أحد لأهل الحق إلا كسروا قرنه، فقرع من ندم سنه، ولا صافحهم أحد ولو كان من خطباء إياد إلا فضحوه، ولا قاتلهم مقاتل ولو كان من بقية قوم عاد إلا أكبوه على وجهه وبطحوه؛ لما لهم من الحجج البالغات، والأدلة النيرات، حق موجود مع أهله، والحق له قوة كامنة في ذاته كما قال تبارك وتعالى: "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ" [الأنبياء:18] الحق قذيفة، قوته، في كونه حقًا، مهما صرح به ضعيف.

قد تجد أهل الباطل والضلال عندهم جميع الإمكانات التي ينشرون بها ضلالهم، وتجد أهل الحق ضعافًا لا يملكون شيئًا، ومع ذلك يصل الحق إلى الناس ولا يصل الباطل بالرغم من الإمكانات؛ لأن قوة الحق في كونه حقًا، (بل نقذف) كأن الحق قذيفة، "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ" [الأنبياء:18] وأصل الدمغ: هو شد الرأس حتى الدماغ، فإذا وصل الشج حتى الدماغ مات المشجوج أو هلك أو فني أو تلف، فإذا ما سلط الحق على الباطل زهق الباطل كما قال تبارك وتعالى: "فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ" [الأنبياء:18] زاهق: أي تالف.

ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أرسل جيشه يقاتل، فجاءه الرسول بعد انقضاء النهار بالبشرى -بشرى الفتح- فقال له عمر: (متى بدأتم القتال؟ قال -مثلًا-: بدأناه في نحو الظهيرة. ومتى فتح لكم؟ قال -مثلًا-: فتحنا بعد العشاء. فبكى، وقال: باطل يقف أمام الحق هذه المدة! ما هذا إلا شيء أحدثته أو أحدثتموه) لأن الباطل زاهق، ليس له نفس؛ لأنه لا يملك مقومات الحياة، فكيف يقف باطل أمام حق نصف نهار، هذه عقوبة بشيء أحدثته أو أحدثتموه.

يقول الصوفي: (سلوك سبيل الأدب راجح على امتثال أمر الله). هذه مقالة كافرة، يعني: أيها المريب إذا أمرك الله بأمر فرأيت الأدب على خلاف ما أمرك الله؛ خالف الأمر واسلك سبيل الأدب، أستغفر الله.. فإن ناقل الكفر ليس بكافر، كأن أمر الله خال من الأدب، كأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه أدب، ثم يحتج لهذه -ونحن نزهق باطله أيضًا- بفعل أبي بكر، ولكن نسوق الواقعتين لتروا الفرق بينهما، ولا يساوي بينهما إلا من طمس الله على بصيرته فأعماه.

الواقعة التي احتج بها رواها الشيخان من حديث سهل بن سعد: (أنه كان خلاف أو قتال في بني عمرو بن عوف، فذهب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع بعض أصحابه إليهم، فأذن بلال، فلما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أبي بكر وقال: أقيم الصلاة؟ قال: نعم. فأقام الصلاة، وتقدم أبو بكر وكبر تكبيرة الإحرام، وجعل يقول دعاء الاستفتاح، وفي أثناء قوله لدعاء الاستفتاح جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فصفق الصحابة، وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت في صلاته، فلما أكثروا من التصفيق؛ التفت، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يخترق الصفوف إلى الأمام، فرفع يديه فحمد الله، ثم نكص -أي: رجع- فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم إشارة معناها: اثبت. لكنه رجع، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين، ثم قال له: ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ قال: ما كان لـابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم).

هذه هي الواقعة، نحن نزهق باطل هذا الكاتب بواقعة أخرى لـأبي بكر رضي الله عنه رواها الشيخان أيضًا: (أن النبي عليه الصلاة والسلام في مرض موته أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فكان يصلي لهم إمامًا، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة -وهذا في أواخر عمره عليه الصلاة والسلام- وجد في نفسه خفة، فأمر العباس وآخر أن يحملاه، فحملاه ورجلاه تخطان على الأرض، وكان أبو بكر رضي الله عنه قد صلى ركعة، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية، فأراد أبو بكر أن يرجع، فقال له: اثبت؛ فثبت. فصلى النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا بجانب أبي بكر) ما يقولون في هذه؟ كان أبو بكر سيئ الأدب عندما قال له: اثبت، فثبت؟

لو جاز أن نقول: ناسخ ومنسوخ؛ لقلنا: إن هذه الرواية ناسخة للأولى، لأن هذه كانت في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت أبو بكر وصلى إمامًا، لكن ليس في المسألة ناسخ ولا منسوخ؛ لكن ما الذي جعل أبا بكر في المرة الأولى يرجع، وجعله في المرة الثانية يثبت ولا يرجع؟

في المرة الأولى لم يكن صلى شيئًا من الصلاة، فاستساغ أن يرجع، لكن في المرة الثانية كان قد أتى بركعة، فلم ير لنفسه جواز أن يرجع، إذ أنه قضى شطر الصلاة، هناك فرق بين الحالتين، بين هذه وتلك. ثم إن الصحابي قد يفعل الشيء على خلاف ما يأمره به، ربما يكون في الأمر شيء أو أمر أو نحو ذلك، وهذا قاله الحافظ ابن حجر في شرح البخاري، قال: فلذلك لم يعنفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه رجع ولم يمتثل الأمر.

كان أبو بكر يظن في ذلك الوقت -مثلًا- أنه لا يجوز لأحد أن يؤم النبي صلى الله عليه وسلم فرأى أن يرجع، فلهذا الظن لم يعنفه النبي صلى الله عليه وسلم، أو ربما كانت الأحكام لم تكن قد استقرت أو استقر كثير منها، يرى أن يرجع، ولم يكن عنده علم بأنه يجب أن يثبت، أو يستحب أن يثبت أو نحو ذلك؛ لذلك لم يعنفه النبي صلى الله عليه وسلم.

استمر الكاتب -وهو قد وضع هذه القاعدة ليتفلت من الإسلام كله؛ لأن الإسلام تكاليف، وأهل الزيغ والضلال لا يقدرون على تكاليف الإسلام، فيريد أن يفعل ما يمليه عليه هواه فيثبت هذه القاعدة- يقول: وعلى مقتضى القاعدة كذا. نحن لم نسلم لك القاعدة أولًا، بل هدمناها، فلا تناقشني في الفرع فإن الأصل أعوج.

يقول: (ومضى جمهور المحققين) هكذا، من هم جمهور المحققين؟ هو وأمثاله (على أنه يستحب أن يسيد النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان والإقامة والتشهد خلافًا لثالوث التكفير ابن تيمية: وابن القيم وابن عبد الوهاب..) هكذا بالنص، يعني: وأنت ترفع الأذان تقول: أشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله؛ لأن تسييده أدب، وترك تسييده قلة أدب، ووضع صورته على عنوان المقال، صورة رجل حليق، كأنه يرى أنه من الأدب -وهذا على أصله الفاسد الذي قعده- أن يخالف.

إذا أمرك الرسول بأمر ورأيت الأدب في خلاف ما أمر، اسلك سبيل الأدب، مع أنه يدحض باطله أيضًا -وهم جهلة بالسنة وبالأصول- يدحضه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي محذورة الصحيح الذي رواه النسائي وأبو داود وغيرهما (: الآذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة) فلو زدت (سيدنا) زاد عدد الأذان عن تسع عشرة كلمة، ومعلوم عند جماهير أهل الأصول أن الأرقام قطعية الدلالة، وليست ظنية؛ لأنه لا خلاف في مدلول الرقم.

فإذا سمعت قوله تبارك وتعالى: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ" [النور:2] لا تقل: هو يقصد تسعين جلدة، أو يقصد مائة وعشرين جلدة، أو يقصد ما تقوم به العقوبة قل أو كثر؛ لأن لفظ مائة عدد، ولا يختلف أحد من العباد في تأويله، وهذا يدل على أنه قطعي الدلالة، إذ لا يجوز الخلاف على مدلوله، بخلاف بعض الألفاظ التي تحتمل قولًا أو أكثر فتكون ظنية الدلالة، كقوله تبارك وتعالى: "وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا" [الجن:18] فالمساجد هنا ظنية الدلالة؛ لأن معنى مسجد واقع بين معنيين كلاهما تحتمله أصول اللغة، فمن قال أن معنى المساجد هي مواضع الصلاة، يكون معنى (وأن المساجد) هنا جمع مسجد، ومن قال بأن المساجد هي أعضاء السجود؛ يكون المعنى أن هذه الأعضاء لا تسجد لغير الله، وأن السجود لغير الله لا يجوز.

وعلى ذلك تكون الألفاظ ظنية الدلالة لا تقطع بقول فيها وتخطئ الآخر، بخلاف الأعداد إذ لا خلاف بين أحد على تأويل العدد، فيكون قطعي الدلالة، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الأذان تسع عشرة كلمة) فلو قلت: (سيدنا) زاد العدد عن تسعة عشرة، وهذا لا يجوز؛ لأنه مخالف لمقطوع به دلالة، وليس في أذان بلال ولا في غيره، ولا استحب أحد من الذين تدور عليهم الفتيا بين المسلمين أن يقول الرجل: أشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله، وإن كان هو سيد ولد آدم ولا فخر.

لكن ما علاقة هذا بذاك؟

يقول: (من أذن فسلك سبيل الأولين في الأذان؛ لا مانع، لكن لا يجوز له أن ينكر على من زاد سيدنا في الأذان لأنه سلك سلوك الأدب).. هذه شبهة إبليسية، تعلمون من أين أخذها هذا الرجل؟ وصدق الله العظيم حيث يقول: "وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ" [الأنعام:121] فما من شبهة وضعت في الأرض إلا أوحى بها إبليس.


المصدر:
محاضرة كتاب ضد الإسلام

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الصوفية
اقرأ أيضا
شبهة حول اسم مريم أم المسيح عليه السلام في القرآن الكريم | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة حول اسم مريم أم المسيح عليه السلام في القرآن الكريم


تقول الشبهة: يسمى القرآن والدة المسيح - عليه السلام - باسم أخت هارون 19: 28 ولعل محمدا - صلى الله عليه وسلم - خلط بين مريم أم المسيح ومريم أخرى كانت أختا لهارون الذى كان أخا لموسى - عليه السلام - ومعاصرا له ولا يوجد مثل هذا التناقض فى الكتاب المقدس وفي هذا المقال رد على التساؤل أو هذا الزعم وتوضيح الخطأ فيه

بقلم: محمد عمارة
1540
التعامل مع نقص اليقين | مرابط
اقتباسات وقطوف

التعامل مع نقص اليقين


اليقين هو تلك اللحظة التي يصبح فيها ما يراه بصر رأسك حسا بنفس المستوى الذي تراه بصيرة قلبك إيمانا عيون الموقن في رأسه وقلبه تسيران جنبا إلى جنب في هذه الحياة ولا يتخلف أحدهما عن الآخر ويبصران المرئي وغير المرئي بذات الحدة البصرية: أن تعبد الله كأنك تراه ثم كشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن هذا هو الإحسان الذي هو أعلى مراتب الدين

بقلم: إبراهيم السكران
758
الأصول الضابطة بين الرجل والمرأة | مرابط
المرأة

الأصول الضابطة بين الرجل والمرأة


من أكبر التعقيدات المجتمعية المعاصرة أن الواقع يدفع المرأة بكل قوته إلى عكس الفطرة في السفور وعدم القرار بالبيت والعمل والتبرج والمساواة وكل هذه الأمور التي تحول المرأة إلى رجل في تصرفاتها في صورة امرأة في شكلها وتبقى هذه الأزمة لا هي تستطيع أن تكون رجلا طيلة الوقت ولا تستطيع أن تنعم بأنوثتها وقرارها كذلك.

بقلم: محمد حشمت
373
فن أصول التفسير ج5 | مرابط
تفريغات

فن أصول التفسير ج5


ما هي السور التي ابتدأت بالقسم وما هي أنواع المقسم به فعندنا هنا أقسم بالطور فلو أردنا أن نأخذ نظائر لهذه السورة من جهة الابتداء نجد مثل: والشمس وضحاها الشمس:1 مثل: والذاريات ذروا الذاريات:1 مثل: والنجم إذا هوى النجم:1 مثل: والليل إذا يغشى الليل:1 مثل: والفجر الفجر:1 إذا نلاحظ أن عندنا نظائر لهذه السورة من جهة القسم ومفيد جدا لتالي القرآن أن يتأمل ما هي النظائر في الخبر والإنشاء ما هي النظائر في قضية القسم يعني ما هي السورة التي ابتدئ بها بالقسم ما هي السورة التي ابتدئ بها بالحمد ما هي السو...

بقلم: مساعد الطيار
744
هل كان أبو هريرة يدلس | مرابط
أباطيل وشبهات

هل كان أبو هريرة يدلس


تعرض الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه لكثير من الطعن وافترى عليه المشككون والجاهلون ووجهوا سهام النقد إليه ولم يكن ذلك لشيء إلا لأنه من أكثر الصحابة رواية للحديث فقد عرف هذا الصحابي بكثرة مروياته ومن هنا أصبح هدفا لكثير من المستشرقين والعلمانيين ومنكري السنة وبين يدينا شبهة ينقلها أحد الرافضة ويقول فيها أن أبا هريرة كان يدلس والمقال فيه رد ومناقشة لهذه الشبهة ولما استدل به هذا المشكك

بقلم: أبو عمر الباحث
1751
كيف تنمي مهارة الحفظ؟ | مرابط
مقالات ثقافة

كيف تنمي مهارة الحفظ؟


وأما الهمة وإدمان النظر فقد سئل الإمام البخاري رحمه الله عن دواء للحفظ فقال: لا أعلم شيئا أنفع للحفظ من نهمة الرجل ومداومة النظر وأهل العلم كان يكررون قراءة الكتاب الواحد مئات المرات فمثلا نجد الإمام المزني رحمه الله يقول: قرأت الرسالة خمسمائة مرة ما من مرة إلا واستفدت منها فائدة جديدة

بقلم: محمد سالم بحيري
263