الرد على بعض شبهات الصوفية

الرد على بعض شبهات الصوفية | مرابط

الكاتب: أبو إسحق الحويني

351 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

بعض المجلات التي هي على لسان حال بعض الطرق الصوفية كتب زعيم الطريقة الأولى مقالًا وافتتح به المجلة بعنوان (أيها القرنيون! هل فهمتم؟) والقرنيون نسبة إلى القرن، أي: أيها البهائم! أيها العجول! أيها الخرفان! هل فهمتم؟ ثم كتب عنوانًا أصغر منه يقول فيه -فض الله فاه-: سلوك سبيل الأدب راجح على امتثال أمر الله ثم قال: (إن العلماء المحققين يقولون: إن سلوك الأدب راجح على امتثال أمر الله، وحجتهم في ذلك هو فعل الصديق الأكبر رضي الله عنه لما كان يصلي بالمسلمين (فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصفق الصحابة؛ فنظر أبو بكر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم فرجع، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن اثبت فرجع؛ فصلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: يا أبا بكر ! ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ قال: ما كان لـابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) فهذا أبو بكر سلك سبيل الأدب وخالف الأمر.

هذه المقالة التي نتجوز في تسميتها شبهة؛ لأنها أضعف من ذلك، لكن هذه كفيلة بنقل جماهير كبيرة من العوام؛ لأن ظاهرها يدل على ما قال هذا المخذول، كأن الرجل عندما كتب ما علم أن في الزوايا خبايا، وأن في الناس بقايا، والله الذي لا إله غيره ما وقف أحد لأهل الحق إلا كسروا قرنه، فقرع من ندم سنه، ولا صافحهم أحد ولو كان من خطباء إياد إلا فضحوه، ولا قاتلهم مقاتل ولو كان من بقية قوم عاد إلا أكبوه على وجهه وبطحوه؛ لما لهم من الحجج البالغات، والأدلة النيرات، حق موجود مع أهله، والحق له قوة كامنة في ذاته كما قال تبارك وتعالى: "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ" [الأنبياء:18] الحق قذيفة، قوته، في كونه حقًا، مهما صرح به ضعيف.

قد تجد أهل الباطل والضلال عندهم جميع الإمكانات التي ينشرون بها ضلالهم، وتجد أهل الحق ضعافًا لا يملكون شيئًا، ومع ذلك يصل الحق إلى الناس ولا يصل الباطل بالرغم من الإمكانات؛ لأن قوة الحق في كونه حقًا، (بل نقذف) كأن الحق قذيفة، "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ" [الأنبياء:18] وأصل الدمغ: هو شد الرأس حتى الدماغ، فإذا وصل الشج حتى الدماغ مات المشجوج أو هلك أو فني أو تلف، فإذا ما سلط الحق على الباطل زهق الباطل كما قال تبارك وتعالى: "فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ" [الأنبياء:18] زاهق: أي تالف.

ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أرسل جيشه يقاتل، فجاءه الرسول بعد انقضاء النهار بالبشرى -بشرى الفتح- فقال له عمر: (متى بدأتم القتال؟ قال -مثلًا-: بدأناه في نحو الظهيرة. ومتى فتح لكم؟ قال -مثلًا-: فتحنا بعد العشاء. فبكى، وقال: باطل يقف أمام الحق هذه المدة! ما هذا إلا شيء أحدثته أو أحدثتموه) لأن الباطل زاهق، ليس له نفس؛ لأنه لا يملك مقومات الحياة، فكيف يقف باطل أمام حق نصف نهار، هذه عقوبة بشيء أحدثته أو أحدثتموه.

يقول الصوفي: (سلوك سبيل الأدب راجح على امتثال أمر الله). هذه مقالة كافرة، يعني: أيها المريب إذا أمرك الله بأمر فرأيت الأدب على خلاف ما أمرك الله؛ خالف الأمر واسلك سبيل الأدب، أستغفر الله.. فإن ناقل الكفر ليس بكافر، كأن أمر الله خال من الأدب، كأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه أدب، ثم يحتج لهذه -ونحن نزهق باطله أيضًا- بفعل أبي بكر، ولكن نسوق الواقعتين لتروا الفرق بينهما، ولا يساوي بينهما إلا من طمس الله على بصيرته فأعماه.

الواقعة التي احتج بها رواها الشيخان من حديث سهل بن سعد: (أنه كان خلاف أو قتال في بني عمرو بن عوف، فذهب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع بعض أصحابه إليهم، فأذن بلال، فلما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أبي بكر وقال: أقيم الصلاة؟ قال: نعم. فأقام الصلاة، وتقدم أبو بكر وكبر تكبيرة الإحرام، وجعل يقول دعاء الاستفتاح، وفي أثناء قوله لدعاء الاستفتاح جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فصفق الصحابة، وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت في صلاته، فلما أكثروا من التصفيق؛ التفت، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يخترق الصفوف إلى الأمام، فرفع يديه فحمد الله، ثم نكص -أي: رجع- فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم إشارة معناها: اثبت. لكنه رجع، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين، ثم قال له: ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ قال: ما كان لـابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم).

هذه هي الواقعة، نحن نزهق باطل هذا الكاتب بواقعة أخرى لـأبي بكر رضي الله عنه رواها الشيخان أيضًا: (أن النبي عليه الصلاة والسلام في مرض موته أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فكان يصلي لهم إمامًا، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة -وهذا في أواخر عمره عليه الصلاة والسلام- وجد في نفسه خفة، فأمر العباس وآخر أن يحملاه، فحملاه ورجلاه تخطان على الأرض، وكان أبو بكر رضي الله عنه قد صلى ركعة، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية، فأراد أبو بكر أن يرجع، فقال له: اثبت؛ فثبت. فصلى النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا بجانب أبي بكر) ما يقولون في هذه؟ كان أبو بكر سيئ الأدب عندما قال له: اثبت، فثبت؟

لو جاز أن نقول: ناسخ ومنسوخ؛ لقلنا: إن هذه الرواية ناسخة للأولى، لأن هذه كانت في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت أبو بكر وصلى إمامًا، لكن ليس في المسألة ناسخ ولا منسوخ؛ لكن ما الذي جعل أبا بكر في المرة الأولى يرجع، وجعله في المرة الثانية يثبت ولا يرجع؟

في المرة الأولى لم يكن صلى شيئًا من الصلاة، فاستساغ أن يرجع، لكن في المرة الثانية كان قد أتى بركعة، فلم ير لنفسه جواز أن يرجع، إذ أنه قضى شطر الصلاة، هناك فرق بين الحالتين، بين هذه وتلك. ثم إن الصحابي قد يفعل الشيء على خلاف ما يأمره به، ربما يكون في الأمر شيء أو أمر أو نحو ذلك، وهذا قاله الحافظ ابن حجر في شرح البخاري، قال: فلذلك لم يعنفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه رجع ولم يمتثل الأمر.

كان أبو بكر يظن في ذلك الوقت -مثلًا- أنه لا يجوز لأحد أن يؤم النبي صلى الله عليه وسلم فرأى أن يرجع، فلهذا الظن لم يعنفه النبي صلى الله عليه وسلم، أو ربما كانت الأحكام لم تكن قد استقرت أو استقر كثير منها، يرى أن يرجع، ولم يكن عنده علم بأنه يجب أن يثبت، أو يستحب أن يثبت أو نحو ذلك؛ لذلك لم يعنفه النبي صلى الله عليه وسلم.

استمر الكاتب -وهو قد وضع هذه القاعدة ليتفلت من الإسلام كله؛ لأن الإسلام تكاليف، وأهل الزيغ والضلال لا يقدرون على تكاليف الإسلام، فيريد أن يفعل ما يمليه عليه هواه فيثبت هذه القاعدة- يقول: وعلى مقتضى القاعدة كذا. نحن لم نسلم لك القاعدة أولًا، بل هدمناها، فلا تناقشني في الفرع فإن الأصل أعوج.

يقول: (ومضى جمهور المحققين) هكذا، من هم جمهور المحققين؟ هو وأمثاله (على أنه يستحب أن يسيد النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان والإقامة والتشهد خلافًا لثالوث التكفير ابن تيمية: وابن القيم وابن عبد الوهاب..) هكذا بالنص، يعني: وأنت ترفع الأذان تقول: أشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله؛ لأن تسييده أدب، وترك تسييده قلة أدب، ووضع صورته على عنوان المقال، صورة رجل حليق، كأنه يرى أنه من الأدب -وهذا على أصله الفاسد الذي قعده- أن يخالف.

إذا أمرك الرسول بأمر ورأيت الأدب في خلاف ما أمر، اسلك سبيل الأدب، مع أنه يدحض باطله أيضًا -وهم جهلة بالسنة وبالأصول- يدحضه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي محذورة الصحيح الذي رواه النسائي وأبو داود وغيرهما (: الآذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة) فلو زدت (سيدنا) زاد عدد الأذان عن تسع عشرة كلمة، ومعلوم عند جماهير أهل الأصول أن الأرقام قطعية الدلالة، وليست ظنية؛ لأنه لا خلاف في مدلول الرقم.

فإذا سمعت قوله تبارك وتعالى: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ" [النور:2] لا تقل: هو يقصد تسعين جلدة، أو يقصد مائة وعشرين جلدة، أو يقصد ما تقوم به العقوبة قل أو كثر؛ لأن لفظ مائة عدد، ولا يختلف أحد من العباد في تأويله، وهذا يدل على أنه قطعي الدلالة، إذ لا يجوز الخلاف على مدلوله، بخلاف بعض الألفاظ التي تحتمل قولًا أو أكثر فتكون ظنية الدلالة، كقوله تبارك وتعالى: "وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا" [الجن:18] فالمساجد هنا ظنية الدلالة؛ لأن معنى مسجد واقع بين معنيين كلاهما تحتمله أصول اللغة، فمن قال أن معنى المساجد هي مواضع الصلاة، يكون معنى (وأن المساجد) هنا جمع مسجد، ومن قال بأن المساجد هي أعضاء السجود؛ يكون المعنى أن هذه الأعضاء لا تسجد لغير الله، وأن السجود لغير الله لا يجوز.

وعلى ذلك تكون الألفاظ ظنية الدلالة لا تقطع بقول فيها وتخطئ الآخر، بخلاف الأعداد إذ لا خلاف بين أحد على تأويل العدد، فيكون قطعي الدلالة، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الأذان تسع عشرة كلمة) فلو قلت: (سيدنا) زاد العدد عن تسعة عشرة، وهذا لا يجوز؛ لأنه مخالف لمقطوع به دلالة، وليس في أذان بلال ولا في غيره، ولا استحب أحد من الذين تدور عليهم الفتيا بين المسلمين أن يقول الرجل: أشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله، وإن كان هو سيد ولد آدم ولا فخر.

لكن ما علاقة هذا بذاك؟

يقول: (من أذن فسلك سبيل الأولين في الأذان؛ لا مانع، لكن لا يجوز له أن ينكر على من زاد سيدنا في الأذان لأنه سلك سلوك الأدب).. هذه شبهة إبليسية، تعلمون من أين أخذها هذا الرجل؟ وصدق الله العظيم حيث يقول: "وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ" [الأنعام:121] فما من شبهة وضعت في الأرض إلا أوحى بها إبليس.


المصدر:
محاضرة كتاب ضد الإسلام

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الصوفية
اقرأ أيضا
مغالطة يوثيفرو ضد دلالة الأخلاق والقيم على ضرورة وجود الله | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر مقالات

مغالطة يوثيفرو ضد دلالة الأخلاق والقيم على ضرورة وجود الله


من أشهر الاعتراضات التي يوردها الملاحدة على دليل القيم والمبادئ ما يسمى معضلة يوثيفرو euthyphro وهو رجل من اليونان نسبت إليه المعضلة وقد كانت نتيجة حوار بينه وبين سقراط وكان يرى أن مصدر الأخلاق يرجع إلى الإله فقال له سقراط: هل الأخلاق حسنة لأن الله يريدها أم أن الله أرادها لأنها حسنة

بقلم: سلطان العميري
1138
من مفسدات القلوب: التعلق بغير الله | مرابط
تفريغات

من مفسدات القلوب: التعلق بغير الله


التعلق بغير الله له عدة نواح والكلام فيه من عدة فروع فمن التعلق بغير الله: التعلق بالدنيا وقد مثله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود تمثيل في قوله عليه الصلاة والسلام: تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميلة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش هذا الرجل المتعلق بغير الله فمن الناس من يتعلق بالأموال فيعمل لها كل همه فيخرج من الصباح ويسعى ويعمل ويكدح إلى الليل

بقلم: محمد صالح المنجد
700
المصلحة بين الشريعة الإسلامية والعقلية العلمانية | مرابط
فكر العالمانية

المصلحة بين الشريعة الإسلامية والعقلية العلمانية


إن المصلحة التي يدركها العقل العلماني ليست هي المصلحة التي جاء بتحصيلها وحفظها الشرع وبالتالي فلا يصح الاستدلال بها علينا. فالمصلحة العلمانية مصلحة دنيوية مادية فقط ولازم ذلك أن يكون الدين وحفظه ورعايته خارج دائرة المصالح المستهدفة بل هو تابع لها وفرع عنها يتحاكم إليها بحيث يجب عليه أن يتشكل ويتغير لملائمتها. أما المصلحة الشرعية فهي مصلحة الدين والدنيا والآخرة والأولى والروح والمادة والدين فيها أول المصالح المرعية وأولاها كما تقتضي طبيعة العبودية وعليه فكل المصالح الأخرى فرع عن الدين بحيث ي...

بقلم: أحمد عبد السلام
265
هل العمل عبادة؟ | مرابط
مقالات

هل العمل عبادة؟


والعمل ليس عبادة إلا إذا نوى الإنسان به نية حسنة ككف نفسه عن سؤال الناس والحاجة إليهم أو النفقة على أهله والتصدق على المحتاجين وصلة الرحم ونفع المسلمين بهذا العمل.. ونحو ذلك من النيات الصالحة التي يثاب عليها. ولا بد من استحضار النية.

بقلم: قاسم اكحيلات
434
فضيلة شهر شعبان | مرابط
تفريغات

فضيلة شهر شعبان


فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهتم بشهر شعبان ما لا يهتم بغيره ولهذا روى النسائي والإمام أحمد من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله رأيتك تكثر من صيام شعبان أكثر من صيامك شهر رجب فقال: صلى الله عليه وسلم: ذاك شهر بين رجب ورمضان وهو شهر تغفل الناس عنه وهو شهر أحب أن أصوم فيه وهو شهر ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم

بقلم: عبد الله بن ناصر السلمي
334
تدمير الحضارة سنة الغزاة | مرابط
تاريخ

تدمير الحضارة سنة الغزاة


بينما كان فريق من التتار يعمل على قتل مسلمي بغداد وسفك دمائهم اتجه فريق آخر من التتار لعمل إجرامي آخر عمل ليس له مسوغ إلا أن التتار قد أكل الحقد قلوبهم على كل ما هو حضاري في بلاد المسلمين لقد شعر التتار بالفجوة الحضارية الهائلة بينهم وبين المسلمين فالمسلمون لهم تاريخ طويل في العلوم والدراسة والأخلاق عشرات الآلاف من العلماء الأجلاء في كافة فروع العلم الديني منها والدنيوي

بقلم: د راغب السرجاني
489