الاستغناء عن السنة بالقرآن الكريم

الاستغناء عن السنة بالقرآن الكريم | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

2024 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إشكالية الاستغناء عن السنة

 

يزعم منكرو السنّة أنه لا حاجة للمسلم -كي يقيم دينه على الوجه الذي يريده الله سبحانه- إلى أي مصدر ديني سوى نصّ القرآن الكريم، لأنه تبيان لكل شيء.
 
وعليه؛ فكل مصدر يستمد منه المسلمون حكمًا شرعيا لم يُذكر في النص القرآني فإنما هو من المصادر الزائفة التي تؤدي إلى الزيغ والانحراف، ولو كانت تنتهي بأصح الأسانيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
 

مناقشة الإشكالية

ويُناقَش هذا الكلام بأنه لا شك في كون القرآن تبيانًا لكل شيء، ولكنَّ الشأن في تحرير وجه التبيان الذي جاء به القران، فهم يحْصرونه في طريق النص على كلِّ حكم بعينه؛ وهذا تضييق لدلالة اللفظ لا نقبله، فإن طرق التبيان واسعة، منها النص ومنها الإشارة ومنها الإحالة وغير ذلك، ولو أن طبيبًا وصف لمريضٍ دواءه ثم أحاله في الوقاية إلى ورقة لطبيب آخر مكتوب فيها “حِمْية” ليتّبعَها المريض لقلنا: إن الطبيب بين له العلاج وبيّن له الوقاية أيضًا، مع أنه لم ينصّ عليها، وإنما كان وجه التبيان هنا: الإحالة.
 
وهكذا الشأن في القرآن الكريم؛ فإننا نجد أن الله سبحانه وتعالى يرشد فيه إلى طاعة أمر رسوله صلى الله عليه وسلم واجتناب نهيه، وذلك في عشرات المواضع؛ فمن يتبع ما أمر به الرسول مما لم يُذكَر نصُّه في القرآن فإنما يكون متبعًا للقرآن في الحقيقة، وذلك لأن فيه تبيانًا لوجوب طاعة هذا الرسول الكريم.
 
قال البيضاوي: في تفسير الآية:
 

(“لكل شيء” من أمور الدين على التفصيل، أو الإجمال بالإحالة إلى السنة أو القياس).
 

وقال الألوسي في روح المعاني:
 

(وكون الكتاب تبيانًا لذلك باعتبار أن فيه نصًا على البعض وإحالة للبعض الآخر على السنة حيث أمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل فيه: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى [النجم:٣] وحثا على الإجماع في قوله سبحانه : وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين).
 

 

آيات اتباع الرسول

ولمنكري السنة اعتراض على التقرير السابق من جهة أخرى، وهو أنّ الآيات التي جاء فيها الأمر بطاعة الرسول لا تدل على معنى اتباع سنته وأمره مطلقًا، بل تدل على اتباع الكتاب الذي جاء به، وهو القرآن، فالرسول يراد به الرسالة لا الشخص الـمُرسَل، ويقولون:
 
إن كل شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يُذكر في نص القران فإنما فعله بمقتضى النبوّة لا الرسالة، والنبوّة لا يصدر عنها شيء مُلزِم شرعًا، ويفرقون بين الرسول والنبي بهذا الاعتبار.
 
وهذا التقرير إنما يدل على فساد نظرهم، وضيق أفهامهم؛ فإن معنى (الرسول) في آيات الأمر بطاعته أظهر من أن يُستدَل على تعيينه، ألم يقل الله سبحانه (من يُطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا)؟ فالكاف في “أرسلناك” ظاهرة في أن المراد بالرسول هنا الشخص الـمُرسَل لا الرسالة

ولو تأملنا في سياق أشهر آية يُستدل بها على حجية السنة، وهي آية سورة الحشر: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) لوجدنا أن لفظ “الرسول” هنا لا يحتمل معنى الرسالة؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قال: “ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” فالحديث هنا عن الفيء الذي وقع لرسول الله في غزوة بني النظر فما شأن الرسالة هنا؟
 
وبالنسبة لتفريقهم المبتدع بين الرسول والنبي فقد جاء في القران جمعُهما في سياق امتداح الاتباع، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) فكيف يقال بعد ذلك إن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا يُتَّبع بوصف النبوة؟
 

اتباع السنة ضلال وزيغ؟

ولا يكتفي منكرو السنة بدعوى استغنائهم بالقرآن الكريم، بل يرون أن اتباع السنّة ضلال وزيغ وانحراف، بل إن كثيرًا منهم يرى أن اتباعها شركٌ بالله، وتحكيم لغيره، وتقديم لأعراف الآباء وسنة الأجداد والسادة والكبراء على أمر الله وشرعه، وقد نقل د. خادم حسين بخش في كتابه: (القرآنيون وشبهاتهم حول السنة) بعض أقاويل كبرائهم في إطلاق أوصاف الكفر والشرك على من يأخذ بالأحاديث مع القرآن، ورد عليهم . وقد لمستُ غلوّهم ذلك من خلال نقاشاتي المباشرة معهم، فقد لحقني من بعضهم وصف الشرك -صريحًا- بسبب الأخذ بالسنة.
 
وإذا كان أمر اتباع السنة عندهم بهذا القدر من الزيغ والضلال؛ فكيف يكون القرآن –على ذلك- هاديًا ومبيّنًا مع كل ما فيه من الآيات التي أطلقت لزوم طاعة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تقيده؟ ألا يكون نزول هذه الآيات فتنة وإضلالًا للخلق-إن كان اتباع سنة النبي شركًا-؟ لأنّ الناس إنما وقعوا في الشرك -بزعمهم- بسبب فهمهم الخاطئ للآيات التي أمر الله فيها بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا لازمٌ لقولهم في غاية الفساد والانحراف.
 
ثم إن مِن هؤلاء من إذا أوقف على حقيقة قوله، وأدرك أوله وآخره ومآلاته وما يلزم منه من الفساد فإنه قد يعود على القرآن فيكذّبَ به بدلًا من أن يرجع عنه فيعتقد بصحة السنة، وذلك لشدة القطيعة بينهم وبين السنة، وقد صرّح لي أحد الشباب الأذكياء الذين ناقشتهم نقاشا طويلًا حول حجية السنة -بعد أن فهم لوازم قوله- أن اعتقاده بصحة القرآن الكريم سيتسرب إليه الشك! مع أن النظر الصحيح يقتضي أن يعود على موقفه السلبي من السنة فيبطلَه، لا أن يشك في القران الكريم، وذلك بعد الحديث المفصل حول ما يلزمه من تضليل كافة الأمة بسبب اعتمادها على المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الفرائض، وعجزه عن تفسير خلوّ الكتاب العزيز من النص على عدد الصلوات وركعاتها مع أنها أهم الفروض بعد التوحيد، ولا شك أن ذلك لا يستقيم مع من يهون من شأن السنة ويغلو في فهمه لكفاية القرآن. والله المستعان.

 


 

المصدر:

  1. أحمد بن يوسف السيد، تثبيت حجية السنة، ص77
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#حجية-السنة
اقرأ أيضا
طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج4 | مرابط
تفريغات

طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج4


من أساليب أهل البدع في إثبات بدعهم وما أحدثوه في الدين هو تحريف آيات الكتاب وأحاديث السنة إما بلي أعناقها لإثبات مقصودهم وأهوائهم أو بتفسيرها بما يسمى عندهم بالتفسير الباطني أو تحريف الأحاديث بذكر زيادات لم تصح وغير ذلك وقد تصدى أهل العلم لهذه التحريفات بفضل الله فقاموا بتفنيد هذه الشبه وفضح أهل البدع بكل ما أوتوه من قوة وبيان

بقلم: أبو إسحاق الحويني
935
نظرية التطور والاحتجاج بخلق آدم | مرابط
فكر مقالات

نظرية التطور والاحتجاج بخلق آدم


إن كل مسلم يؤمن بأن خلق عيسى عليه السلام قد جاء بكلمة جاء عبر خلق إعجازي خاص مباشر يخالف الطبيعة. وهذه مسألة لا خلاف عليها بين الجميع فكيف يؤمن أن هذا لم يتم مع آدم عليه السلام ويرفض تماثل الحالتين بينما الله سبحانه وتعالى جاءنا بآية واضحة تماما لا لبس فيها أنهما متماثلان من جهة الخلق بالأمر المباشر؟

بقلم: عمرو عبد العزيز
654
لا تجتمع البدعة مع سنة | مرابط
اقتباسات وقطوف

لا تجتمع البدعة مع سنة


ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع ومن أدمن على قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام ونظائر هذه كثيرة

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
353
لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات الليبرالية

لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الأول


يستطيع الليبرالي أن يعيش ازدواجية عنيفة بين شخصيته التي يظهر بها أمام أضواء الإعلام وفي سطور مؤلفاته أو مقالاته وشخصيته الحقيقية التي تظهر عندما تنطفئ هذه الأضواء وعندما يعم الظلام ويجف مداد القلم هنا تظهر هذه الازدواجية لترى الانحلال الأخلاقي والنظرة الشهوانية الجنسية للمرأة التي تقبع داخله بينما ينادي ليل نهار بحرية المرأة والتعامل معها على أنها إنسان له حقوق وكرامة قبل كل شيء وفي هذا المقال سترى الكثير من الشهادات بألسنة الليبراليين أنفسهم لتدرك وهم الليبرالية

بقلم: إبراهيم السكران
2025
صور من التهاون بالطلاق | مرابط
تفريغات

صور من التهاون بالطلاق


الحلف بالطلاق تهاون الناس به كثيرا حتى كان بعضهم يقول: إن لم أشرب فنجان الشاي فزوجتي طالق كيف هذا التلاعب على أدنى شيء يقول: إن لم أفعل كذا إن لم تفعلين كذا فأنت طالق مع أني أقول لكم: إن أكثر العلماء ومنهم الأئمة الأربعة على أن هذا الطلاق طلاق معلق بشرط متى وجد وقع الطلاق

بقلم: ابن عثيمين
352
السيطرة على الصورة | مرابط
اقتباسات وقطوف ثقافة

السيطرة على الصورة


مقتطف من مقدمة كتاب المتلاعبون بالعقول للكاتب هربرت شيللر يتحدث فيه عن أهمية وضرورة السيطرة على الصورة وعلى أجهزة المعلومات وكيف ينتهي شكل شبكات الإعلام إلى مجموعة من التكتلات التي يسيطر عليها مجموعة من الملاك لأهداف واضحة

بقلم: هربرت أ شيللر
444