الاستغناء عن السنة بالقرآن الكريم

الاستغناء عن السنة بالقرآن الكريم | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

2122 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

إشكالية الاستغناء عن السنة

 

يزعم منكرو السنّة أنه لا حاجة للمسلم -كي يقيم دينه على الوجه الذي يريده الله سبحانه- إلى أي مصدر ديني سوى نصّ القرآن الكريم، لأنه تبيان لكل شيء.
 
وعليه؛ فكل مصدر يستمد منه المسلمون حكمًا شرعيا لم يُذكر في النص القرآني فإنما هو من المصادر الزائفة التي تؤدي إلى الزيغ والانحراف، ولو كانت تنتهي بأصح الأسانيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
 

مناقشة الإشكالية

ويُناقَش هذا الكلام بأنه لا شك في كون القرآن تبيانًا لكل شيء، ولكنَّ الشأن في تحرير وجه التبيان الذي جاء به القران، فهم يحْصرونه في طريق النص على كلِّ حكم بعينه؛ وهذا تضييق لدلالة اللفظ لا نقبله، فإن طرق التبيان واسعة، منها النص ومنها الإشارة ومنها الإحالة وغير ذلك، ولو أن طبيبًا وصف لمريضٍ دواءه ثم أحاله في الوقاية إلى ورقة لطبيب آخر مكتوب فيها “حِمْية” ليتّبعَها المريض لقلنا: إن الطبيب بين له العلاج وبيّن له الوقاية أيضًا، مع أنه لم ينصّ عليها، وإنما كان وجه التبيان هنا: الإحالة.
 
وهكذا الشأن في القرآن الكريم؛ فإننا نجد أن الله سبحانه وتعالى يرشد فيه إلى طاعة أمر رسوله صلى الله عليه وسلم واجتناب نهيه، وذلك في عشرات المواضع؛ فمن يتبع ما أمر به الرسول مما لم يُذكَر نصُّه في القرآن فإنما يكون متبعًا للقرآن في الحقيقة، وذلك لأن فيه تبيانًا لوجوب طاعة هذا الرسول الكريم.
 
قال البيضاوي: في تفسير الآية:
 

(“لكل شيء” من أمور الدين على التفصيل، أو الإجمال بالإحالة إلى السنة أو القياس).
 

وقال الألوسي في روح المعاني:
 

(وكون الكتاب تبيانًا لذلك باعتبار أن فيه نصًا على البعض وإحالة للبعض الآخر على السنة حيث أمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل فيه: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى [النجم:٣] وحثا على الإجماع في قوله سبحانه : وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين).
 

 

آيات اتباع الرسول

ولمنكري السنة اعتراض على التقرير السابق من جهة أخرى، وهو أنّ الآيات التي جاء فيها الأمر بطاعة الرسول لا تدل على معنى اتباع سنته وأمره مطلقًا، بل تدل على اتباع الكتاب الذي جاء به، وهو القرآن، فالرسول يراد به الرسالة لا الشخص الـمُرسَل، ويقولون:
 
إن كل شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يُذكر في نص القران فإنما فعله بمقتضى النبوّة لا الرسالة، والنبوّة لا يصدر عنها شيء مُلزِم شرعًا، ويفرقون بين الرسول والنبي بهذا الاعتبار.
 
وهذا التقرير إنما يدل على فساد نظرهم، وضيق أفهامهم؛ فإن معنى (الرسول) في آيات الأمر بطاعته أظهر من أن يُستدَل على تعيينه، ألم يقل الله سبحانه (من يُطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا)؟ فالكاف في “أرسلناك” ظاهرة في أن المراد بالرسول هنا الشخص الـمُرسَل لا الرسالة

ولو تأملنا في سياق أشهر آية يُستدل بها على حجية السنة، وهي آية سورة الحشر: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) لوجدنا أن لفظ “الرسول” هنا لا يحتمل معنى الرسالة؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قال: “ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” فالحديث هنا عن الفيء الذي وقع لرسول الله في غزوة بني النظر فما شأن الرسالة هنا؟
 
وبالنسبة لتفريقهم المبتدع بين الرسول والنبي فقد جاء في القران جمعُهما في سياق امتداح الاتباع، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) فكيف يقال بعد ذلك إن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا يُتَّبع بوصف النبوة؟
 

اتباع السنة ضلال وزيغ؟

ولا يكتفي منكرو السنة بدعوى استغنائهم بالقرآن الكريم، بل يرون أن اتباع السنّة ضلال وزيغ وانحراف، بل إن كثيرًا منهم يرى أن اتباعها شركٌ بالله، وتحكيم لغيره، وتقديم لأعراف الآباء وسنة الأجداد والسادة والكبراء على أمر الله وشرعه، وقد نقل د. خادم حسين بخش في كتابه: (القرآنيون وشبهاتهم حول السنة) بعض أقاويل كبرائهم في إطلاق أوصاف الكفر والشرك على من يأخذ بالأحاديث مع القرآن، ورد عليهم . وقد لمستُ غلوّهم ذلك من خلال نقاشاتي المباشرة معهم، فقد لحقني من بعضهم وصف الشرك -صريحًا- بسبب الأخذ بالسنة.
 
وإذا كان أمر اتباع السنة عندهم بهذا القدر من الزيغ والضلال؛ فكيف يكون القرآن –على ذلك- هاديًا ومبيّنًا مع كل ما فيه من الآيات التي أطلقت لزوم طاعة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تقيده؟ ألا يكون نزول هذه الآيات فتنة وإضلالًا للخلق-إن كان اتباع سنة النبي شركًا-؟ لأنّ الناس إنما وقعوا في الشرك -بزعمهم- بسبب فهمهم الخاطئ للآيات التي أمر الله فيها بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا لازمٌ لقولهم في غاية الفساد والانحراف.
 
ثم إن مِن هؤلاء من إذا أوقف على حقيقة قوله، وأدرك أوله وآخره ومآلاته وما يلزم منه من الفساد فإنه قد يعود على القرآن فيكذّبَ به بدلًا من أن يرجع عنه فيعتقد بصحة السنة، وذلك لشدة القطيعة بينهم وبين السنة، وقد صرّح لي أحد الشباب الأذكياء الذين ناقشتهم نقاشا طويلًا حول حجية السنة -بعد أن فهم لوازم قوله- أن اعتقاده بصحة القرآن الكريم سيتسرب إليه الشك! مع أن النظر الصحيح يقتضي أن يعود على موقفه السلبي من السنة فيبطلَه، لا أن يشك في القران الكريم، وذلك بعد الحديث المفصل حول ما يلزمه من تضليل كافة الأمة بسبب اعتمادها على المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الفرائض، وعجزه عن تفسير خلوّ الكتاب العزيز من النص على عدد الصلوات وركعاتها مع أنها أهم الفروض بعد التوحيد، ولا شك أن ذلك لا يستقيم مع من يهون من شأن السنة ويغلو في فهمه لكفاية القرآن. والله المستعان.

 


 

المصدر:

  1. أحمد بن يوسف السيد، تثبيت حجية السنة، ص77
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#حجية-السنة
اقرأ أيضا
تحويل القبلة وكشف الأوراق | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

تحويل القبلة وكشف الأوراق


في أحداث السيرة النبوية مواقف صنعها الله عز وجل لتكون اختبارا لأفراد الجماعة المسلمة فيمحص الصفوف وينفي عنها الخبث كما يكشف بها سبحانه وتعالى أوراق أعداء الأمة من منافقين ومشركين وذلك لكي تنشأ هذه الأمة نقية خالصة لله عز وجل خاضعة لأمره سبحانه دون شك أو ارتياب ومن هذه المواقف الجليلة والفاصلة في تاريخ الأمة حادث تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام في النصف من شعبان من العام الثاني للهجرة

بقلم: راغب السرجاني
2262
حول حديث: كمل من الرجال كثير.. | مرابط
المرأة

حول حديث: كمل من الرجال كثير..


حديث: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء: إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. هل هذا يعني أن من أتى بعدهم لا يمكن أن يكون كاملا كمالا بشريا سواء الرجال أو النساء واقتصر الكمال على السابقين؟ إليكم الجواب.

بقلم: قاسم اكحيلات
465
صناعة الثقافة | مرابط
اقتباسات وقطوف ثقافة

صناعة الثقافة


إن أدورنو يرى أن الفرد في المجتمع أصبح يوصم بالجهل ليس فقط لأنه لا يملك القدرة على الكلام على الطراز الحديث بل لأنه لا يسير على هذا الطراز فأصبح مجرد عدم السير مع الموضة التي تفرض على المجتمع والتي يظن أنه هو الذي فرضها أصبح جهلا

بقلم: محمد علي فرح
611
التزمت ولم أجد الراحة | مرابط
اقتباسات وقطوف

التزمت ولم أجد الراحة


التزمت ولم أجد الراحة التي كنت أطلبها تلك العبارة نسمعها كثيرا على ألسنة الملتزمين الجدد ويبدو أنها تنطوي على إشكالية واضحة كما أنها تثبط من يسمعها من غير الملتزمين وتزهده في طريق الالتزام وهذا المقتطف للدكتور إياد قنيبي يجيب فيه عن هذه الإشكالية

بقلم: إياد قنيبي
1223
لماذا أنتم تعانون من فوبيا الجنس؟! | مرابط
أباطيل وشبهات

لماذا أنتم تعانون من فوبيا الجنس؟!


من احتجاجات الاختلاطيين كثرة قولهم: لماذا تعانون من هذا التشكك والارتياب وبث القلق من نشوء العلاقات المحرمة؟ لماذا تتوهمون أن الناس مهجوسين بالجنس بهذا الشكل؟ لماذا ننظر للمرأة على أنها كائن جنسي؟ لماذا لاتنظرون للأمور نظرة طمأنينة وثقة؟! .. بين يديكم الرد على هذه الشبهات المتكررة على ألسنة العلمانيين ومؤيدي الاختلاط

بقلم: إبراهيم السكران
415
مناظرة ابن عباس مع الخوارج | مرابط
مناظرات

مناظرة ابن عباس مع الخوارج


كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حريصا على رجوع الخوارج إلى جماعة المسلمين فربما أنهم انحازوا عن صفوص المسلمين لشبهة أو شيء أشكل عليهم ومن هنا قرر أن يرسل إليهم ابن عباس رضي الله عنهما ليناظرهم ويجلي لهم الحق وهو ما حدث فعلا وفي هذا المقال نص المناظرة التي دارت بينه وبينهم والشبه التي ألقوها عليه ورده رضي الله عنه عليها

بقلم: النسائي
4129