من أدلة وجود الله: دليل الآفاق

من أدلة وجود الله: دليل الآفاق | مرابط

الكاتب: علي محمد الصلابي

423 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آياتنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت:53]. فقوله: {سَنُرِيهِمْ آياتنَا فِي الآفَاقِ} أي: علامات وحدانيتنا وقدرتنا، وقوله (في الآفاق) يعني أقطار السماوات والأرض: من الشمس، والقمر، والنجوم، والليل، والنهار، والرياح، والأمطار، والرعد، والبرق، والصواعق، والنبات، وغير ذلك مما فيها من عجائب خلق الله. ( القرطبي، 1965، ج15، ص374). وفي حديثِ العلماء عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ما يدلُّ على آيات الله في الافاق، والتي منها:

 

1- نقص الأوكسجين في الارتفاعات:

قال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الانعام:125] تنصُّ هذه الاية الكريمة على الإنسان عندما يصّعّد في السماء- أي يرتفع في أعالي الجو- يضيقُ صدرُهُ، ويشعر بالاختناق، وهذه حقيقةٌ علميةٌ سببها أنَّ نسبة الأوكسجين تقلُّ كلَّما ارتفعنا إلى أعلى، كما يقلُّ الضغطُ الجويُّ، وهذان السببان يجعلانِ الإنسانَ يشعر بضيق النفس.

 

2- حركة النجوم والكواكب في مداراتها:

كان الناسُ يرونَ أنَّ الأرضَ مركزُ الكون، ويدور حولها الشمسُ والقمرُ والنجومُ السيّارة، ويرونَ نجومًا ثابتة طوال السنة، فيصفونها بالثبات، ثم حدث في عصر (غاليلو) رأيٌ يعتِبرُ أنَّ الأرض هي التي تدورُ حولَ الشمس، وأنَّ الشمسَ هي مركزُ الكونِ.

أمّا القرآن الكريمُ فقد رفضَ قبلَ ذلك جميعَ الاراءِ التي تزعمُ أنَّ للكونِ مركزًا ثابتًا، قال تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:40] وكانَ ذلكَ في عصره سَبْقٌ علميٌّ. وقال تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِوَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة:75- 76].

فقد وجدَ العلماءُ أنَّ مواقعَ النجومِ ومساراتها ليست اعتباطيةً، فالكوكبُ وُضعَ في مسارٍ بحيثُ لا تؤدّي قوى التجاذبِ الكونيّةِ الكثيرةِ والقوى النابذةِ الناشئةِ عن الدوران إلى اضطرابٍ كوني، ولقد اختِيْرَ له المسارُ الذي يحقّق له التوازنَ بين تلك القوى الكثيرة.

ووجد العلماء أيضًا أنَّ أبعادَ المجموعة الشمسية تتبعُ سلسلةً حسابيةً، وأنّى للعربيِّ الجاهلي الذي كان يرى النجومَ مبعثرةً في صفحةِ السماءِ أن يعرفَ من تِلقاءِ نفسه أنَّ لمواقعِها شأنٌ عظيمٌ.( العرجاوي، 2008، ص106)

 

3- دوران الأرض والجبال:

قال تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88] لقدكان الناس قديمًا يرون أنّ الأرضَ وجبالَها ثابتةٌ، بل يضربون المثلَ بثباتها، فجاء القرآن الكريم ليخالفَ ما ألفه الناسُ، واستقرّ في أذهانهم، وتحدَّثَ عن ظاهرةٍ كونية، فقال عن الجبال: إنّها تمرُّ مرَّ السحاب، أي إنَّ الجبال كالسحاب، فكما أنَّ السحابَ لا يتحرّكُ ذاتيًا إلا إذا كان هناك شيءٌ يدفعه إلى التحرك، والذي يحرِّكُ السحابَ ويدفعُه هي الرياح، فكذلك الجبالُ لا تتحرَّكُ بنفسِها، لأنها أوتادُ الأرضِ، ولكن تتحرك، وحركتُها تابعةٌ لحركة الأرض، فالأرضُ تتحرّكُ وتدورُ، وإلا فكيفَ تتحرَّكُ الجبالُ، وتمرُّ مرَّ السحاب، وهذا من صنع الله الذي أتقن كل شيء، حينئذٍ يكون هناك يقينٌ ثابتٌ. (محمود، 2002، ص178)

 

4- حاجز بين بحرين مالحين:

قال تعالى:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَان بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَان فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:19- 22]. تتحدّثُ الآيات الكريمةُ عن بحرين يتلاقيان، وفي مكان تلاقيهما يوجدُ حاجزٌ، والظاهر أنها تتحدّث عن بحرين حقيقيين مالحين، وليس عن بحرٍ ونهرٍ، لأنّه قال: والمرجان {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} وهو الخرز الأحمر- لا يخرجُ إلا من المياه المالحة، فالاية الكريمةُ إذًا تتحدَّثُ عن حاجزٍ حقيقي بين بحرين مالحين في مكان تلاقيهما، والبحرانِ يتلاقيانِ في المضايق، لأنه، إن لم يكن هناك مضيقٌ، فليس من مسوِّغٍ لاعتبارهما بحرين، بل يكونان بحرًا واحدًا، إنَّ هذا الذي أثبتته الاية الكريمةُ مستغربٌ جدًا في عرف الناس، إذ الانطباع السائد أنَّ المياه المتلاقية لا حواجز بينها، وما كان أحد يعرف هذه الحقيقة، ولا تخطرُ له على بالٍ، إلى أن اكتُشِفَتْ عام 1965 م، وثبت أنّ ما قاله القرآن الكريم حقيقةٌ مدهشَةٌ.( العرجاوي، 2008، ص111)

 

5- اهتزاز الأرض وزيادتها بالمطر:

قال تعالى: {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5] إن العلمَ يؤكّد أنَّ الأرضَ تهتزُّ فعلًا بنزول الغيثِ عليها، فالحبوبُ والبُصَيلاتُ والدّرناتُ والحُوَيصلاتُ والبكترية والجراثيمُ كلُّها تبدأُ بالحركة والانقسامات الخلوية، وامتصاص الماء، وتحليل الغذاء المعقّد إلى وحدات أقل ارتباطًا، وأكثر عددًا، وأكبر حجمًا، وبامتلاء مسامِّ الأرضِ بالماء تتحرّك جُزيئات الطينِ، وتبدأُ عمليةُ تأيُّنٍ عجيبةٍ في جُزَيئات التربةِ، وتنشطُ الديدانُ الأرضيّةُ في شَقِّ الأنفاقِ

الأرضيةِ، وابتلاع كمياتٍ كبيرةٍ من التربة المتلاصقة، وإخراجها بعدَ ذلك مفككةً، كلُّ هذه النشاطات تؤدي إلى زيادةِ حجم التربة، ويمكنُنا رؤية صورةٍ مصغّرةٍ لهذه العمليات بتخمير العجين، وزيادة حجمه، نتيجة نشاط خلايا الخمائر، وفي التربة تحدثُ ضروبٌ كثيرةٌ لمثل هذا النشاط، مِنْ كلّ ما سبق نجدُ التوافقَ بين ما عرفه العلم وما وصفه القرآن الكريم.( العرجاوي، 2008، ص127)

 

6- أوهن البيوت:

قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:41] إنَّ قوله سبحانه: وقوله بعد ذلك: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] يشيرانِ إلى أنَّ وَهْنَ بيت العنكبوتِ المتحدَّث عنه وَهْنٌ غيرُ ظاهرٍ ولا معروف لدى عامة الناس، وقد ضُرِبَ هذا الوهنُ مثلًا لموالاة الكافرين بعضهم لبعض، فماذا وجد العلماءُ عند دراسة العنكبوت؟ وجدوا أنَّ الروابطَ بين أفراد العنكبوت في غاية التفكّك، فالأُنثى كثيرًا ما تأكل الذكرَ بعد الإلقاح، وقد تأكلُ أبناءها، والأبناءُ يأكُل بعضُهم بعضًا، فهو بيتٌ متفكّكٌ متداعٍ، وذلك مثلُ موالاةِ الكافرين بعضهم بعضًا.( العرجاوي، 2008، ص128).

 


المصدر:

الموقع الرسمي للدكتور علي الصلابي

 

مراجع البحث

علي محمد الصلابي، الإيْمَانُ بِالله جلَّ جَلاَلُهُ، دار ابن كثير، سوريا، 1430ه-2009 صص46-50

أبي عبد الله محمَّد بن أحمد الأنصاري القرطبي، تفسير القرطبي دار إِحياء التُّراث العربي، بيروت، لبنان 1965م.

عبد المجيد العرجاوي، البراهين العلمية على صحة العقيدة الإسلامية، دار وحي القلم، سوريا، 1429ه-2008

مصطفى محمود، تأملات في دنيا الله، دار أخبار اليوم، مصر، 1423ه-2002

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#أدلة-وجود-الله
اقرأ أيضا
زهد سعيد بن جبير | مرابط
مقالات

زهد سعيد بن جبير


حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عمر بن أيوب حدثنا جعفر بن برقان عن ابن منبه قال: طوبى لمن نظر في عيبه عن عيب غيره طوبى لمن تواضع لله من غير مسكنة ورحم أهل الذل والمسكنة وتصدق بمال جمع من غير معصية وجالس أهل العلم والحلم والحكمة ووسعته السنة ولم يتعدها إلى البدعة

بقلم: أحمد بن حنبل
786
ماذا قال السلف عن الغناء؟ | مرابط
مقالات

ماذا قال السلف عن الغناء؟


وأما الشافعي - رضي الله عنه - فقال في كتاب أدب القضاء: إن الغناء لهم مكروه ويشبه الباطل والمحال أما سماعه من المرأة التي ليست بمحرم له فإن أصحاب الشافعي مجمعون على أنه لا يجوز بحال سواء كانت مكشوفة أو من وراء حجاب وسواء كانت حرة أو مملوكة قال الشافعي: وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته. وغلظ القول فيه قال: هو دياثة فمن فعل ذلك كان ديوثا وكان الشافعي يكره الطقطقة بالقضيب ويقول وضعته الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن القرآن

بقلم: ابن الحاج
455
قدرة الإسلام على نشر الأمن بين الناس | مرابط
تفريغات

قدرة الإسلام على نشر الأمن بين الناس


ولقد أثبتت التجربة والتطبيق العملي أن الإسلام قادر على أن يبث الأمن في المجتمعات التي يحكمها وأن الاتجاه نحو العالم الغربي في قوانينه ونظمه وأخلاقه يجذب القلق والدمار ويضيع الأمن فحكومة عبد العزيز آل سعود هي أصدق حكومة في الجزيرة العربية طبق فيها الإسلام وطبق فيها القرآن وكان الناس في الجزيرة قبل تلك الأيام لا يستطيع أحدهم أن يتحرك من بلده إلى بلد آخر آمنا فقد كان أهل الحاج يودعونه على أنه ليس براجع وكان الإنسان يقتل على بصلة أن المجرم يرى جيب الرجل منتفخا فيقتله ظنا منه أنه مال وهو بصل

بقلم: عمر الأشقر
839
شبهة: نحن أحق بالشك من إبراهيم | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: نحن أحق بالشك من إبراهيم


بين يديكم رد على الشبهة المتكررة التي يزعم مروجوها أن سيدنا إبراهيم عليه السلام شك في ربه وذلك استنادا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بالشك من إبراهيم فيقول البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب الشك إلى إبراهيم وإلى نفسه.. بين يديكم رد على هذا الزعم.

بقلم: قاسم اكحيلات
486
حفظ اللسان | مرابط
فكر مقالات اقتباسات وقطوف

حفظ اللسان


إن ربنا سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قد جاء عنهما الأمر بحفظ اللسان هذا العضو السريع الحركة أسرع الأعضاء حركة وأنشطها لا يكل ولا يمل من كثرة الاستعمال قال الله عز وجل في كتابه العزيز: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد سورة ق 18 فكل ما خرج منه يكتب ويرصد ويحفظ ويجمع لينشر يوم الدين وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت

بقلم: محمد صالح المنجد
1308
الإلحاد وسؤال الإرادة الحرة | مرابط
فكر مقالات الإلحاد

الإلحاد وسؤال الإرادة الحرة


من الملاحظات التي يمكن رصدها في كثير من الكتابات الإلحادية الحديثة أنها تتبنى رؤية جبرية مغالية في تفسير وقوع الأفعال الإنسانية ففكرة الإرادة الحرة وهم والإنسان في حقيقته مجبور على أفعاله وإن أحس أنه مختار لها أو كما عبر بعض الجبرية في الكتابة التراثية: الإنسان مجبور في صورة مختار

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري
3204